روضة الصائم

التَّحَاسُن

23 مايو 2019
23 مايو 2019

د. ناصر بن علي الندابي -

صحيح أننا نطرح كل يوم هنا مصطلح أو مفهوم لفن المخطوطات العمانية ولكن في الوقت نفسه نعلم علم اليقين أن هذا الفن يكشف لنا جوانب مشرقة للمجتمع العماني، ويعطي صورة حية للحياة الثقافية التي كان يعيشها على الرغم من الفترات السياسية الحرجة التي مر بها في الكثير من الفترات التاريخية الغابرة.

فبعد أن عرضنا في مقال سابق عن التيمينة التي كانت بمثابة احتفاء لذلكم الطالب النجيب الذي أكمل كتاب الله عزوجل قراءة وتلاوة، نأتي اليوم في مقالنا هذا لنستجلي جانبا آخر من هذه الجوانب الرائعة في مجتمعنا العماني عبر عصوره التاريخية.

ومفهومنا اليوم يدل على اهتمام المجتمع العماني بالخط، وتربية الصبيان على إتقان الكتابة التي كانت وما زالت أساس التعلم وأسه، بل كانت في تلك الأزمنة فخرًا وحرفة ومهنة يمكن أن يعيش منها الإنسان في زمان شح في مصدر الرزق.

وينسب بيت شعري للإمام علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- في ذلك فيقول:

تعلّم أصول الخط يا ذا التأدب فما الخط إلا زينة المتأدب

فإن كنت ذا مال فخطك زينة وإن كنت محتاج فأفضل مكسب

فمفهومنا اليوم هو التحاسن، ويعني إجراء المعلم مسابقة في حسن الخط على لوح الكتابة، وذلك تحت إشراف المعلم، ونجد الفقهاء العمانيون يذكرون ذلك في مصنفاتهم فيوردون قولهم تحاسن الأولاد أي تسابقوا في الخط، ويقال أحسن المعلم بينهم أي أقام مسابقة المحاسنة،

ومن اللطيف هنا أن مصطلح المحاسنة يقابله مصطلح المماصعة أو المصع ويعنى به الضرب الخفيف، من قبل الفائز في الخط على غريمه الذي ينافسه من باب تحفيز النفس على التميز .

ومما يذكر في ذلك من آثار الشيخ المحقق الخليلي في بعض جواباته لأهل المغرب: (وكنت حريصًا على أن أقف فيه على أثر، حتى تذكرت مسألة المصع الموجودة عند أهل عمان فيما اعتاده الصبيان، يجعلونهم يتبارون فيه بالكتابة، فمن غلب صاحبه منهم ضربه في باطن رجله أو راحة يده، ويسمونه مصعا، ولا أدري حدوثه في أي عصر، لكن جاء الأثر بجوازها لرجاء المصلحة، حيث يؤمن الضرب).